تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 232 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 232

232 : تفسير الصفحة رقم 232 من القرآن الكريم

** وَيَقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنّكُمْ شِقَاقِيَ أَن يُصِيبَكُم مّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ * وَاسْتَغْفِرُواْ رَبّكُمْ ثُمّ تُوبُوَاْ إِلَيْهِ إِنّ رَبّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
يقول لهم {وياقوم لا يجرمنكم شقاقي} أي لا تحملنكم عداوتي وبغضي على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر والفساد فيصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط من النقمة والعذاب وقال قتادة {وياقوم لا يجرمنكم شقاقي} يقول: لا يحملنكم فراقي, وقال السدي عداوتي, على أن تمادوا في الضلال والكفر فيصيبكم من العذاب ما أصابهم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد ابن عوف الحمصي حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج حدثنا ابن أبي غنية حدثني عبد الملك بن أبي سليمان عن ابن أبي ليلى الكندي قال: كنت مع مولاي أمسك دابته وقد أحاط الناس بعثمان بن عفان إِذ أشرف علينا من داره فقال: {يا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح} يا قوم لا تقتلوني إِنكم إِن قتلتموني كنتم هكذا وشبك بين أصابعه, وقوله: {وما قوم لوط منكم ببعيد} قيل المراد في الزمان, قال قتادة: يعني إنما هلكوا بين أيديكم بالأمس, وقيل في المكان ويحتمل الأمران {واستغفروا ربكم} من سالف الذنوب {ثم توبوا إِليه} فيما تستقبلونه من الأعمال السيئة وقوله: {إِن ربي رحيم ودود} لمن تاب.

** قَالُواْ يَشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مّمّا تَقُولُ وَإِنّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ * قَالَ يَقَوْمِ أَرَهْطِيَ أَعَزّ عَلَيْكُم مّنَ اللّهِ وَاتّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنّ رَبّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
يقولون {ياشعيب ما نفقه} ما نفهم {كثير} من قولك {وإِنا لنراك فينا ضعيف} قال سعيد بن جبير والثوري وكان ضرير البصر, وقال الثوري كان يقال له خطيب الأنبياء, قال السدي {وإِنا لنراك فينا ضعيف} قال: أنت واحد, وقال أبو روق: يعنون ذليلاً لأن عشيرتك ليسوا على دينك {ولولا رهطك لرجمناك} أي قومك لولا معزتهم علينا لرجمناك قيل بالحجارة وقيل لسببناك {وما أنت علينا بعزيز} أي ليس عندنا لك معزة {قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله} يقول: أتتركوني لأجل قومي ولا تتركوني إِعظاماً لجناب الرب تبارك وتعالى أن تنالوا نبيه بمساءة وقد اتخذتم كتاب الله {وراءكم ظهري} أي نبذتموه خلفكم لا تطيعونه ولا تعظمونه {إِن ربي بما تعملون محيط} أي هو يعلم جميع أعمالكم وسيجزيكم بها.

** وَيَقَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَىَ مَكَانَتِكُمْ إِنّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوَاْ إِنّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ * وَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجّيْنَا شُعَيْباً وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنّا وَأَخَذَتِ الّذِينَ ظَلَمُواْ الصّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ
لما يئس نبي الله شعيب من استجابتهم له قال يا قوم {اعملوا على مكانتكم} أي طريقتكم وهذا تهديد شديد {إِني عامل} على طريقتي {سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب} أي مني ومنكم {وارتقبو} أي انتظروا {{إِني معكم رقيب} قال الله تعالى: {ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين} وقوله جاثمين اي هامدين لا حراك بهم. وذكر ههنا أنه أتتهم صيحة, وفي الأعراف رجفة وفي الشعراء عذاب يوم الظلة وهم أمة واحدة اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقم كلها, وإِنما ذكر في كل سياق ما يناسبه ففي الأعراف لما قالوا {لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتن} ناسب أن يذكر الرجفة الرجفة فرجفت بهم الأرض التي ظلموا بها وأرادوا إِخراج نبيهم منها, وههنا لما أساءوا الأدب في مقالتهم على نبيهم ذكر الصيحة التي استلبثتهم وأخمدتهم, وفي الشعراء لما قالوا {فأسقط علينا كسفاً من السماء إِن كنت من الصادقين} قال {فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم} وهذا من الأسرار الدقيقة ولله الحمد والمنة كثيراً دائماً, وقوله: {كأن لم يغنوا فيه} أي يعيشوا في دارهم قبل ذلك {ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود} وكانوا جيرانهم قريباً منهم في الدار وشبيهاً بهم في الكفر وقطع الطريق وكانوا عرباً مثلهم.

** وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مّبِينٍ * إِلَىَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتّبَعُوَاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُواْ فِي هَـَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الْمَرْفُودُ
يقول تعالى مخبراً عن إِرسال موسى بآياته ودلالاته الباهرة إِلى فرعون ملك القبط وملئه {فاتبعوا أمر فرعون} أي منهجه ومسلكه وطريقته في الغي {وما أمر فرعون برشيد} أي ليس فيه رشد ولا هدى. وإِنما هو جهل وضلال وكفر وعناد, وكما أنهم اتبعوه في الدنيا وكان مقدمهم ورئيسهم كذلك هو يقدمهم يوم القيامة إلى نار جهنم فأوردهم إِياها وشربوا من حياض رداها, وله في ذلك الحظ الأوفر, من العذاب الأكبر, كما قال تعالى: {فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيل} وقال تعالى: {فكذب وعصى * ثم أدبر يسعى * فحشر فنادى * فقال أناربكم الأعلى * فأخذه الله نكال الاَخرة والأولى * إِن في ذلك لعبرة لمن يخشى} وقال تعالى: {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار, وبئس الورد المورود} وكذلك شأن المتبوعين يكونون موفورين في العذاب يوم القيامة كما قال تعالى: {لكل ضعف ولكن لا تعلمون} وقال تعالى إِخباراً عن الكفرة أنهم يقولون في النار: {ربنا إِنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب} الاَية, وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم حدثنا أبو الجهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امرؤ القيس حامل لواء شعراء الجاهلية إلى النار» وقوله: {وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة} الاَية, أي أتبعناهم زيادة على عذاب النار لعنة في الدنيا {ويوم القيامة بئس الرفد المرفود} قال مجاهد: زيدوا لعنة يوم القيامة فتلك لعنتان, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {بئس الرفد المرفود} قال: لعنة الدنيا والاَخرة وكذا قال الضحاك وقتادة وهو كقوله {وجعلناهم أئمة يدعون إِلى النار ويوم القيامة لا ينصرون * وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين} وقال تعالى {النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}.